الأمس، اليوم وغداً

أكتب هذه المدوّنة لكلّ مدرّس يردد مدارس الأمس أفضل من مدارس اليوم… أكتب هذه المدوّنة لكلّ من يقارن بين جيل الأمس وجيل اليوم… أكتب هذه المدوّنة لأولياء الأمور الذين يطالبون المدرسين باستخدام نفس الكتب والاستراتيجيات التّي رافقتهم في الماضي القريب… أكتب هذه المدوّنة لأسلّط الضوء على مفهوميّ التغيير والتأقلم…

بالأمس كانوا يكتبون بالريشة والحبر الصيني، اليوم نكتب بقلم الحبر، غداً أولادنا لن يستخدموا الكتابة

بالأمس كانوا يرسلون الرسائل من خلال الحمام الزاجل، اليوم نكتب بريداً الكترونياً، غدا أولادنا سيبتكرون وسيلة جديدة

بالأمس كانوا يستخدمون جهاز الهاتف الثابت، اليوم نستخدم الجهاز المحمول، غداً أولادنا سيتواصلون من خلال شرائح الكترونية تزرع في الدماغ

بالأمس كانوا يستخدمون الحصان والحمار للتنقل، اليوم نستخدم السيارات والطائرات والباص والقطار، غدا أولادنا سيركبون سيارة الأجرة الطائرة دون سائق

بالأمس النظريّة السلوكيّة، اليوم النظريّة الاجتماعيّة-البنائيّة، غداً نظريات لا نعرف عنها شيء

بالأمس كان العامل عنصر أساسيّ في المجتمع، اليوم الرجل الآليّ أصبح أكثر أهميّة منه، غداً قد يحكم العالم الرجل الآليّ

بالأمس كانوا يمضون وقتاً طويلاً بالتأليف، اليوم الذكاء الاصطناعيّ يقوم بتوليد الأفكار والكتابة والتّصحيح، غداً قد يكون دور الإنسان مختلفاً على هذا الكوكب

بالأمس كانوا يستمعون إلى الراديو ويشاهدون التلفاز، اليوم نتابع البرامج على منصات من اختيارنا بالوقت الذي نريد، غداً أطفالنا سيعيشون في عالمٍ افتراضيّ قد يكون خماسيّ الأبعاد

بالأمس كنا نستخدم القاموس، اليوم نستخدم تطبيقات الكترونيّة، غداً قد لا نحتاج للغات اليوم

بالأمس حضارات اختفت، اليوم حضارات تموت، غداً حضارات جديدة ستولد

لكل من يريد أن يربي أجيال اليوم مستخدماً نظريات سأشاركم هذا القول ل John Dewey  “إذا علّمنا طلاب اليوم كما علّمنا طلاب الأمس، فإننا نحرمهم من الغد.”

لماذا نحرمهم من الغد؟ لأننا وبكل بساطة كما شاهدنا من خلال هذه الأمثلة البسيطة أنّ كل شيءٍ تغيّر من حولنا وسيتغيّر.

دور المدرّس تغيّر أيضاً من ناقل للمعرفة الى ميسر لعمليّة التعلّم. ما المقصود بالميّسر، هو الشخص الذّي يقدّم مساعدةً بتسيير أمرٍ ما، فإذن داخل الفصل الدراسيّ، المدرّس سيقدم المساعدة للتّلميذ الذّي يريد تحقيق هدفٍ ما، أو اكتساب مهارة أو مفهوم معين.

كما عودتكم هذه المدونات عمليّة وليست فقط نظريّة، هيا بنا نتشارك المثل الأوّل:

كان مدرّس العلوم يدخل إلى الصّف ويعرض بعض المعلومات عن تأقلّم الحيوانات في البيئات المختلفة كالصحراء، والغابات المطريّة. يقوم التلاميذ بكتابة هذه المعلومات على دفتر العلوم، يحفظونها للحصة القادمة ويقوم المدرّس باختبارٍ يحتوي على تمارين ك: أملأ الفراغ بالكلمة المناسبة، أو صح أو خطأ، وصحّح الجملة الخطأ. في يومنا هذا، ولتدريس نفس مفهوم التأقلّم، سيقوم المعلّم بتقسيم الصّف إلى مجموعات، كل مجموعة تختار البيئة المفضلة لديها، وسيجهز المعلّم مصادر مختلفة لكلّ مجموعة: مقالات، مواقع إلكترونيّة، أفلام وثائقيّة، مصادر مرئيّة ومكتوبة. يطلب من التّلاميذ استخدام مهارات البحث لتحضير عرض ويقوم الزملاء بتقييم مهارات العرض.

المثل الثاني: يطلب معلّم الفنون من تلاميذه تنفيذ مدينة خياليّة مستخدمين نفس التقنيّة الكولاج collage. معلم اليوم سيعرض على التّلاميذ تقنيات مختلفة وسيطلب من التّلميذ أن يختار تقنيته المفضلة لتصميم مدينته الخياليّة.

المثل الثالث: يطلب مدرّس الّلغة من التّلاميذ تأليف نهاية قصة. اليوم سيدعو المدرّس مؤلف قصص، ويطلب من التّلاميذ مقارنة قصصه بقصصٍ قام بتأليفها الذّكاء الاصطناعيّ. وسيفكرون بالسؤال الكبير هل انتهى زمن الكتابة والتأليف؟

كما تلاحظون من خلال هذه الأمثلة، التّغيير ليس بالأمر المستحيل، ولكنّه مرتبط بعقليتنا ومعتقداتنا، مرتبط بطريقة تحضيرنا للدّروس، مرتبط برؤيتنا لتلاميذ اليوم ولحياة الغد. دعوننا نبتعد عن تلك الحصص المعلّبة والعروض المرئيّة التّي ترافقنا من شعبة إلى شعبة ومن مدرسة إلى مدرسة ومن عام إلى عام… دعونا نفكر بتلاميذ اليوم وبناء حصص تنّمي لديهم مهارات الغد. هل تحضرون تلاميذكم للغد؟