مناهج مضى عليها الزمن

بواسطة | أكتوبر 16, 2023 | تخطيط, قيادة | 17 تعليقات

دخلت الى صف الخامس الابتدائي لأشاهد حصة تعبير كتابي. مع بداية الحصة، تذمر أحد الطالب من المحتوى واعتبره مملا، اقتربت منه لأعرف لماذا وبدأت بالتواصل معه… اكتشفت أن لديه موقع الكتروني، يقوم ببيع منتجات لجعل غرف الأطفال أكثر جاذبية وشرح لي بأن المدرسة اليوم لا تلبي احتياجاته…

ذهلت للحظة وبالطبع قررت مشاركة هذه الحادثة معكم مع الأسئلة التي دارت في بالي:

كم من معلم يجهل نقاط قوة تلاميذه، واهتماماتهم، وشغفهم؟

كم من مخترع يختبئ في فصولنا ونحن لا نعلم بوجوده؟

كم من طفل في يومنا هذا يعتبر بأن المدرسة لا تفيده؟

أي تكمن مشكلة المدرسة اليوم: في المعلم الذي لا يعرف تلاميذه؟ في المعلم الذي لا يواكب التطور؟ في المناهج التي لم تتم مراجعتها منذ أكثر من عقد من الزمن؟ أن في الإدارات المدرسية التي لم تجعل من التحول الرقمي ودمج التكنولوجيا والتعليم لمدى الحياة جزأ أساسيا من خطط تطويرها؟

لا أرغب بأن أسلط الضوء على المشكلة التي تعاني منها المدرسة اليوم، ولكنني أرغب أيضا باقتراح بعض الحلول:

ماذا لو قامت المعلمة بالطلب من هذا التلميذ بتصميم موقعه باللغة العربية؟

ماذا لو طلبت المعلمة من التلاميذ بتنفيذ مجموعة من الأفلام القصيرة التي ستعرض على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمدرسة لتعليم اللغة العربية للآخرين؟

ماذا لو تم تخصيص الأسبوع الأول من كل فصل دراسي لمشاركة التلاميذ نواتج التعلم وتحديد معهم المحتوى الذي يرغبون بدراسته لتحقيق تلك النواتج؟

ماذا لو طلبت المعلمة من هذا التلميذ أن يشرح لزملائه كيف صمم الموقع وكيف يطور هذا المشروع؟

مع هذا التطور التكنولوجي المستمر ستزداد المشاكل السلوكية داخل الفصول التقليدية بسبب الملل لأن كل التلاميذ يعرفون بأنهم يستطيعون الحصول على كل تلك المعلومات التي يقدمها المدرس من خلال الانترنت وبصورة جذابة وممتعة أكثر. لا نستطيع الاستمرار بنفس الكتب وبنفس العقلية التي تواجدت مع ظهور المدراس في القرن التاسع عشر. في القرن الحادي والعشرين، دور المدرسة اختلف، نحن لا نذهب الى المدرسة لاكتساب المعرفة فقط، بل لتطوير مهارات التعلم وأهم هذه المهارات إدارة التعلم الذاتي. على المعلم والتلميذ أن يتعلما معا، فيصبح المعلم قدوة للتلميذ ويتشاركان معا التحديات والصعوبات والنجاحات.

تقودني تلك الحادثة الى تعمق أكثر بدور المعلم ودور المنهاج ودور الوزارات في يومنا هذا… كلننا نردد أن المعلم في يومنا هذا هو ميسر، ولكنني أرغب بأن أسلط الضوء على دور المعلم كمصمم مناهج أيضا. على جميع معلي اليوم أن يتقنوا كيف نصمم المناهج وأن يتمتعوا بمرونة تواكب التغيرات وأن يتمتعوا بالقدرة على الانصات لاحتياجات التلاميذ، عليهم تنمية مهاراتهم التي تتعلق بالاستماع والتفكير الناقد والابداعي… عليهم الخروج من صندوق الكتاب المدرسي الى صندوق الحياة.

على الوزارات تحضير فرق عمل يراجع المناهج بشكل سنوي يواكب التطورات والتغيرات وعليها جعل كل هذه المناهج متاحة بشكل الكتروني يتم بعديلها بشكل سهل وسريع ويتم نشر هذا التعميم على المنصة التي تربط جميع المدارس والمدرسين. علينا الاستفادة من تطورات العصر للجعل مدارسنا مدارس للمستقبل وليس للماضي. فأغلب مدارس اليوم تدرس الماضي وطلاب البوم أصبحوا في المستقبل.

على مناهج اليوم أن تكون مناهج شمولية تشجع على الدمج بين المواد، تشجع على تعلم المفاهيم والمعرفة والمهارات، على المناهج أن ترتبط بالواقع. علينا أن نكتب مناهج تضع التلميذ في قلب عملية التعلم والتعليم. هذه المناهج يجب أن تخلو من الحشو، أن تركز على النوعية وليس الكمية وأن تذكرنا دائما بأننا بشر، نشعر ونحس ونبدع وهذا ما يميزنا عن كل الآلات وعن الذكاء الاصطناعي الذي يغزو عالمنا. هذه المناهج يجب أن تكون مثل تطبيقات الحاسوب والهاتف الذكي والipad تحدث كل 6 أشهر أو مع نهاية كل عام… فكل مناهجنا الحالية مضى عليها الزمن وانتهت صلاحيتها…

على تلاميذ اليوم أن يفكروا

بكيف نحل أزمة الطاقة والفساد،

بكيف نطبق العدل والمساوات وتكافؤ الفرص،

بكيف نتعلم خلال الأزمات

بحلول لمشاكل الفقر والأمراض والتطرف…

علينا جميعا أن نتعلم كيف نعيش وسط كل هذه الضغوطات والتغيرات… علينا جميعا أن نتعاون كمدرسين من خلال شبكات ندعم بعضنا البعض ونفكر بالحلول معا… علينا العمل بشغف رغم كل الصعوبات لأن المستقبل نصنعه داخل جدران صفوفنا وخارجها.

1 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

17 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
منى السكر
10 شهور

أتفق معك تماما أستاذ علي. الحقائق والمعارف يمكن للطلاب الحصول عليها بكل سهولة من Google ، يجب الآن التركيز على المفاهيم وهي المعرفة المتعمقة للأشياء وفهم الروابط وكيف يمكن للطالب نقل التعلم إلى حياته الواقعية. التغيير في نوعية التقييمات أمر مهم للغاية، حيث تساعد التقييمات الأصيلة/ الواقعية Authentic Assessments في تحويل الطلاب من متلقين سلبيين جل همهم التطبيق المباشر إلى مفكرين، محللين، مقيمين ومبدعين.

فاطمة ماضي فتوني
فاطمة ماضي فتوني
10 شهور

أوافقك الرأي مستر علي، اللغة العربية هي من أقدم وأغنى اللغات في العالم. و التكنولوجيا تلعب دورًا حاسمًا في حياتنا اليومية وتواصلنا. دمج اللغة العربية في التكنولوجيا يسهم في تمكين الطلاب في مدارسنا من الوصول إلى المحتوى والخدمات بطريقة سهلة وفعّالة. لذلك، يجب علينا العمل على دمج اللغة العربية بالتكنولوجيا في مدارسنا لتعزيز التواصل والوصول إلى المعرفة متابعين ما هو جديد في عصرنا

أحمد
أحمد
10 شهور

أحسنت

Moustafa
Moustafa
10 شهور

ما شاء الله يا أستاذنا أتفق معك تماما في كل كلمة تقولها وخاصة في الأسبوع الأول يستخدم للطلبة وكذلك مشاركة أولياء الأمور في تحقيق أهداف ونواتج تعلم أبنائهم وكذلك المحتوى التعليمي بما يتماشى مع معايير الدولة التي يدرس فيها الطالب. كل التحية والتقدير والاحترام.

صفاء غريب
صفاء غريب
10 شهور

جزاك الله خيرا على اهتمامك واضم صوتي الي الزملاء في دمج التكنولوجيا بالمنهج الدراسي ليس فقط للغه العربيه بل لجميع المواد الدراسيه
ولكن هناك كورس البعض منا اخذه وأعتقد أنه هام ولم يستغل بالطريقة المثلي وهو الذكاءات المتعدده التي تحدد الذكاءات المتعدده للتلاميذ ويستثمرها وتطورها وربطها بالمناهج الدراسيه والتكنولوجيا

لور حرب
لور حرب
10 شهور

منهجية التعلم ودمج التكنولوجيا يجب ان تنسحب على كافة المواد وليس فقط في مادة اللغة العربية…نمط تعلم يرتكز على الربط بالواقع الحالي…شكرا على جهودك

جيهان السعيد
جيهان السعيد
10 شهور

مقال رائع أستاذ علي. وأتفق معك تماما لأنني أتبنى نفس هذه النظرية وهو أن العالم يتغير بسرعة طفيفة وأجيال اليوم ليست كالأجيال السابقة ومع ذلك يظل محتوى المناهج كما هو وبنفس الفلسفة في طرح الموضوعات حتى لو تم استبدالها بموضوعات أخرى ولكنها تتبع نفس الفلسفة وبالمثل أساليب التقييم. التعليم والتدريس ليس بالكم ولكنه بالكيف وهل سيمكن هذا التعليم الاجيال الحاليه من مواجهة الحياة العملية بتحدياتها أم لا؟

سارة البيطار
سارة البيطار
10 شهور

مقالة مهمة جدا

سارة البيطار
سارة البيطار
10 شهور

اود الاضافة ان مقالك اخذني لأهمية تفريد التعلم، personalization والتي أجد أنها من أهم مفاتيح التعامل مع متعلم اليوم الذي يحتاج لإثارة دافعية أكثر من متعلم السابق، حيث أنه يتعرض لمؤثرات كبيرة كما ذكرت بسبب إتقانه وانغماسه في عالم الانترنت، لذا فالمعلم يجب أن يتعلم قليلا من مواقع التواصل الاجتماعي وكيف تتابع خواريزمياتها تفضيلاتنا وحتى أن انستغرام بات يسألنا بين الحين والاخر عن المحتوى الذي يعرضه أمامنا اذا كان من بين اهتماماتنا، فتجد من يتابع عدة فيديوهات للطبخ ام لمشاهير معينة يعرض عليهم المزيد منها او مما يرتبط بها، هذا الأسلوب يجعلك مدمنا على هذه المواقع، أعتقد يمكننا استخدام خوارزميات تعليمية مشابهة لنجعل متعلمنا متعلق بالمواد التي ندرّسها له بدلاً من أن يشعر بعدم المبالاة، وأؤكد على نقطتك حول التفكير الناقد، حيث أنه أهم سبيل لإثارة الدافعية فلو عرضنا أهمية اللغة العربية بلغة المتعلم واهتماماته أبسط مثال التطور التكنولوجي وأن يكون هو بنفسه قادراً على الترجمة الصحيحة للمصادر الهائلة التي تأتي بلغات أخرى فيتم الاستفادة منها بسببه في جميع الوطن العرب الخ.
اسفة للاطالة ولكن المقال اثار دافعيتي للنقاش الجميل

مدخت
مدخت
10 شهور

مقال رائع وهذا هو الواقع طلابنا في منطقة تفكير تختلف عن المعلمين كثيرا ولذلك الفجوة في ازدياد بين الطالب والمعلم
لابد أن نقترب من فكرهم ونقدم لهم افكار تثير شغفهم

Ibrahim elbanna
Ibrahim elbanna
10 شهور

مقال جميل مفيد ممتنع فيه الخلاصة والحل…اذ ربما يحصل المتعلم علي الأفكار والمعلومات والمفاهيم من الشبكة العتكبوتية محرك البحث جوجل بطريقة سهلة ولكن المعلم الناجح لا يكتفي مع طالبة بهذا بل يوسع معه عملية التعلم عن طريق ابداء الآراء وحل المشكلات ونقل ما تعلمه طالبه لحياته الواقعية

ايتن سليمان
ايتن سليمان
5 شهور

اتفق معك د. علي فعلا المنهاج تحتاج لوقفة ونفضة لأنها أصبحت بمثابة حشو للأذهان وأضف على ذلك طرق المعلمة القديمة التي تساعده على ذلك . يجب ايجاد طرق جديدة لغمس طلابنا باللغة وإعادة الشغف اهم في ظل مايمرون به من تحديات خاصة في هذا العصر وأهمها ووجهوهم الملتصقه بالأجهزة .