تعليم أم تعليب؟

بواسطة | نوفمبر 9, 2025 | Uncategorised, ثقافة, عام | 4 تعليقات

يقول منير فاشة  في هذا الفيديو لقد وضعنا التلاميذ في صفوف، نحشوهم بالمعرفة كما نُطعِم الدجاج في المزارع، دون أن نسمح لهم بأن يعيشوا المعرفة أو يتذوقوها. عبارة مازالت تصلح في يومنا هذا فهي تختصر حال التعليم في بعض المدارس، حيث تحوّل التعليم من رسالة إلى صناعة، ومن شغف إلى سلعة.

بين الجودة والتسويق

في مشهد تتزايد فيه أعداد الطلبة، تتراجع الجودة، فالعدد الكبير من التلاميذ داخل الصف والعدد الكبير للحصص التي تعطى للمدرس لا تلبي احتياجات كل التلاميذ بشكل فردي. وهكذا يفقد التعليم معناه حين يصبح العدد أهم من الجوهر. تتنافس بعض المدارس على جذب التلاميذ من خلال مرافق حديثة ومتطورة ولكنها تفتقد للعنصر البشري الذي سيدعم كل تلميذ.

التدريب المهني بين الشكل والمضمون

التطوير المهني الحقيقي لا يحدث في يوم أو ورشة عابرة قبل زيارة تفتيش. التدريب ليس نشاطاً في جدول مزدحم، بل رحلة مستمرة من التوجيه، والتطبيق، والمتابعة، والتغذية الراجعة. وحين يغيب هذا البعد العملي، يبقى التدريب مجرد عنوان جميل أو صورة للذكرى، لا أثر له في الصفوف.

التغيير في التعليم لا يصنعه “يوم تدريب”، بل ثقافة تعلم يومية يعيشها المعلمون داخل صفوفهم. ومازالت بعض المدراس تطلب من المدرب صنع المعجزات قبل زيارة ترخيص أو تقييم.

الجوائز والشهادات

في زمن الجوائز والاعتمادات، تُمنح شهادات، وتُعلق أوسمة، لكنها لا تعكس دائمًا عمق الجهد أو صدق الرسالة.
تجارب كثيرة أظهرت كيف تحوّل السعي وراء الاعتراف إلى غاية بحد ذاته، حتى فقد التعليم روحه الإنسانية.

لقد عُرضت عليّ فرص جاهزة للفوز بألقاب أكاديمية مقابل مبلغ مادي، لكني رفضت الدخول في متاهة تفقد لرسالة التعليم قيمتها. وكم هي منتشرة في يومنا هذا الشركات التي تساعدك على الحصول على شهادة الدكتوراه وكم سمعنا للأسف عن جامعات هدفها فقط توزيع الشهادات مقابل المال.

وليّ الأمر بين الحيرة والاختيار

في ظل هذا المشهد، يقف وليّ الأمر أمام مفترق طرق:
هل يختار المدرسة الأرخص أم المدرسة الأفضل؟
هل يبحث عن الشهادات المعلقة على الجدران، أم عن القيم المزروعة في النفوس؟

ضاعت البوصلة بين ما يُعرض في الإعلانات وما يُمارس في الواقع، بين الوعود البراقة والحصص الفارغة. ومن هنا نصيحتي لكل ولي أمر هو التعرف على منهج المدرسة، على المدرسين، على كيفية التعامل مع التلاميذ، على عدد التلاميذ داخل الفصل قبل الالتزام والتسجيل.

التعليم الحقيقي… رحلة إنسانية

كم من فرصة تعلم ضاعت بسبب معلم غير مبالٍ، أو إدارة منشغلة، أو نظام تقييم يقيس كل شيء إلا الإنسان.
وكم من طالب فقد شغفه لأن أحدهم أطفأ شرارته الأولى، وفضوله لأن الكتاب أهم من السؤال.

التعليم الحقيقي لا يُقاس بدرجات الامتحان فقط، بل بقدرتنا على إيقاظ الفضول وتنمية الحس الإنساني.
إنه يبدأ من المعلّم الذي يرى في كل طفل مشروع إنسان، لا رقمًا في كشف الدرجات.

التعليم الحقيقي يبدأ في المدارس التي تناولت موضوع الحروب القائمة ونفذت حملات توعية ودعم ورفض لكل المعايير المزدوجة التي تحكم العالم وتفرق بين البشر.

 المعلّم الذي اختار التعليم حبًا لا صدفة، وشغفًا لا ملاذًا أخيرًا، هو من يصنع الفرق كل يوم.
هو الذي يعيش رسالته كما قال الشاعر أحمد شوقي:

“كاد المعلّم أن يكون رسولاً.”

التعليم ليس مهنة، بل مسؤولية إنسانية.
وليس تعليبًا، بل تحريرًا للعقل والروح.

ربما آن الأوان أن نسأل أنفسنا بصدق:
هل نعلّم لنعبئ العقول… أم لنحررها؟
هل نخرّج متعلمين يعرفون الأجوبة… أم بشرًا يجرؤون على طرح الأسئلة؟ هل ننتظر حلول سحرية لمشاكلنا اليومية داخل الفصل الدراسي أو نجد الحل لمصلحة التلميذ أولا وأخيرا.

3 2 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

4 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
إيمان التوكابري
إيمان التوكابري
7 أيام

مقال. جميل جدا

أماني
أماني
7 أيام

التعليم الحقيقي لا يُقاس بدرجات الامتحان فقط، بل بقدرتنا على إيقاظ الفضول وتنمية الحس الإنساني.
إنه يبدأ من المعلّم الذي يرى في كل طفل مشروع إنسان، لا رقمًا في كشف الدرجات.

Iman Zein
Iman Zein
7 أيام

مقال قيم بمنظور واقعي جدا 👍👍

حنان
حنان
18 ساعة

رائع