“ليس لدينا وقت” الجملة الّتي يكررها معظم المدرسين في معظم المدراس في جميع أنحاء العالم. والإجابة “نعم” لا يوجد لديهم الوقت الكافي لتحويل التّلاميذ إلى موسوعاتٍ تحفظ غيباً معلوماتٍ غير مرتبطةٍ بالواقع أو مضى عليها الزمن. “نعم” لا يوجد لديهم المتسع من الوقت لتدريس الكتاب المدرسي من الصفحة 1 إلى الصفحة 100. “نعم” لا يوجد لديهم الوقت لإنجاز المنهج الأمريكي، أو الفرنسي أو البريطاني بالإضافة إلى المواد الدراسيّة الّتي تدرّس بالعربيّة كالّلغة العربيّة، والدراسات الاجتماعيّة والتربية الإسلاميّة. نعم ليس لديهم الوقت الكافي فالأيام الدراسيّة في لبنان 165 يوم وفي الخليج حوالي 180 وفي ألمانيا حوالي 200 يوم… ليس لديهم الوقت الكافي وبعض البلدان تدرّس 5 أيام في الأسبوع وبعضها 4 أيام ونصف كفرنسا وحديثاّ في الشارقة 4 أيام فقط. نعم ليس لديهم الوقت لأن بعض المناهج في بعض البلدان تعتبر كتب مقدسة، وكأنها دين سماويّ لا نستطيع المسّ بها أو تعديلها أو تطويرها لتواكب المتغيرات.
“ليس لدينا الوقت” نعم وبعض الحصص الدراسية مدتها 30 دقيقة فقط، أو بعض حصص الرياضة أو الفنون مدتها 50 دقيقة يضيع منها 10 دقائق للوصول إلى القاعة الرياضيّة أو القاعة الفنيّة في بعض المدراس الكبيرة، أو بعض المدراس لديها فقط 3 حصص للّغة العربيّة والوزارة وأولياء الأمور يطالبان بأطفال يجيدون اللّغة كسيبويه. من هو مصمّم هذا الجدول المدرسيّ الذي قسّم المواد إلى مواد أساسيّة وأخرى إضافيّة وقرّر أنّ على التّلميذ أن يدرس 7 حصص رياضيات في الأسبوع و5 حصص علوم وحصة رياضة واحدة. من هو هذا المصمّم للجداول الذي قرّر أنّ اليوم المدرسيّ يبدأ عن الساعة السابعة صباحاً وينتهي عند الواحدة مثلاً… ما هي هذه الجداول الّتي لا تراعي الساعة البيولوجيّة للطّفل أو المراهق أو حتى المدرّس الّذي في بعض الأحيان لا يجد الوقت للدخول إلى الحمام أو أن يقوم بتدريس طفل عمره 6 سنوات ومن ثم ينتقل مباشرة إلى صفٍ ليقوم بتدريس بعض المراهقين.
“ليس لدينا الوقت” فالجميع في سباقٍ مع الزمن: امتحانات شهريّة، واختبارات فصليّة، ومسابقاتٍ واحتفالاتٍ لا تنتهي… تشعر بأن المدرّس يركض دون توقف وعلى جميع التّلاميذ اللحاق به. أصبح الفصل الدراسيّ مجموعةً من الامتحانات التشخيصيّة والتكوينيّة والنهائيّة ولم يتبق للمدرس سوى وقت محدد للتدريس وطلبات لا تعدّ ولا تحصى من المنسق والمدير والوزارات.
“ليس لدينا الوقت” جملة واقعيّة، حقيقيّة فالبحوث والدراسات تشير إلى أنّنا في زمنٍ متسارعٍ exponential time نحاول الّلحاق به، ولكنّنا لا نملك وسائل المساعدة. Mindfulness، Yoga، Meditation، وغيرها… كلها مواد إضافيّة تتصارع لتجد لها مكان في الجدول الدراسيّ. أضف إليها بعض النظريات كالتّعلّم من خلال المشاريع project based learning أو حلّ المشكلات problem based learning أو stem، steam، stream، robotics، computational thinking.
هيّا بنا نتشارك بعض الحلول:
أولاً: نحن متعلّمون لمدى الحياة، هذه الفكرة كفيلة بأن تزيل هذا الحمل من على أكتافنا ألا وهو السباق مع الزمن…
ثانياً: دمج المواد والتركيز على مهارات التّعلّم والمفاهيم الّتي تتخطي حدود المكان والزمان
ثالثاً: التّركيز على النوعيّة وليس الكميّة
رابعاً: إيجاد فرصٍ للتأمل reflection والتفكير بالتفكير metacognition وتعليم مهارة التّعلّم learn how to learn بشكلٍ يوميّ، واستبدال كلّ الدّروس الّتي لم تعد صالحةً ليومنا هذا أو لمستقبل تلاميذنا بنفسٍ عميق ٍdeep breath يجعل من عمليّة التّعلّم عمليّةً ممتعةً مبنيّةً على الفضول والتساؤل والربط بين المعرفة السابقة والجديّة، أن نفكر كفنّان، أو عالم رياضيات، أو مؤلّف، أو عالم علوم، أو عالم اجتماعيات فلا بدّ لنا أن نغوص ونمضي وقتاً طويلاً بإجراء الأبحاث والاختبارات لنصل لنتائج تحفر بالبال. فمدرّس العلوم مثلاً لديه ثلاث خيارات: شرح الدّرس والطلب من التّلاميذ حلّ المسائل من الكتاب، أن يقوم بالتجربة العلميّة أمام التلاميذ وعلى التلاميذ حلّ التمارين أو الخيار الثالث الذّي يحتاج إلى وقتٍ أطول، ولكن يرّسخ المعلومة أكثر: يقوم التّلاميذ بالتّوقع، التجربة، التحليل والوصول إلى النتائج.
خامساً: التفكير بتلك الجداول المدرسيّة الّتي بنيت على أسس لا تخدم عملية التّعلّم والتعليم ولا تراعي حتّى نموّ التّلاميذ
في الختام يقول Dewey “نحن لا نتعلّم من التجربة، بل نتعلّم من التأمل بالتجربة.” دعونا فإذن نعطي مساحة ًإضافيةً للتأمل، دعونا نمشي كالسلحفاة ونخفّف الرّكض كالأرانب، فالرحلة أهمّ من نقطة الوصول… دعونا في خضم كلّ هذه الثورات في عالم التكنولوجيا والاكتشافات أن نأخذ استراحةً لنتوقف ونعيش اللحظة Pause to live the moment.
شكرًا أستاذ علي .. كان المقال لحظة تأملية مستحقة لنتوقف ونعيش اللحظة.. أبدعت في الطرح بأسلوب واضح ومباشر بعيدًا عن النظريات والتعقيد.. النظام التعليمي بحاجة لهذه اللحظات وبشكل دوري.. نحاول بدورنا ولن نفقد الأمل في اليوم وفي الغد..
أستاذي العزيز أشكرك على هذا العنوان “إنه ليس سباق”، التي جاءت فكرته عميقة وحقيقية، تمسّ واقع التعليم المعاصر بعين واعية وطرح مميز.
لقد أبدعتم في تصوير التحديات التي نواجهها كمدرسين وطلاب في مختلف أرجاء العالم، حيث تتصارع الجداول الدراسية والتكاليف التعليمية مع محدودية الوقت المتاح.
لقد لامست كلماتكم شعور المعاناة الذي يعيشه المدرّسون وهم يسابقون الزمن، محاولين تحقيق توازن مستحيل بين الكم والنوع، وبين التوجيه والمتعة. طرحتم حلولاً جوهرية تُلهم القارئ وتدفعه للتأمل، بدءًا من ضرورة أن نكون متعلّمين مدى الحياة، مرورًا بدمج المواد والتركيز على المهارات، وصولًا إلى تخصيص وقت للتأمل والتفكير العميق.
كل مقطع من مقالتكم هو دعوة لتغيير حقيقي، دعوة للنظر إلى التعليم بشكل أكثر إنسانية وتوازناً. كانت كلماتكم بمثابة وقفة ملهمة، ذكّرتنا بأن الرحلة في حد ذاتها، بتحدياتها ولحظاتها الصغيرة، هي الأهم.
بارك الله فيكم على هذه الرؤية الثاقبة، وعلى جهودكم في إحداث تغيير إيجابي في ميدان التعليم.
أسأل الله رب العرش العظيم أن يبارك لكم في علمكم، ويجعلكم دائماً صوتاً للوعي والفكر النيّر.
حقيقي مدونة أكثر من رائعة وسوف اقوم بالقراءة حول تعلم كيف تتعلم وأعتقد اني بنسبة أقوم بدمج المهارات و استمتع بتعليم السن ماقبل الحضانة لعدم وجود منهج يقيدني فاستمتع بعمل تجارب مع الطلاب حياتية أقوم من خلالها بتعليم اللغة .
ارجع لأول وأهم نقطة حضرتك ألقيت عليها الضوء وهي أننا متعلمون مدي الحياة نعم هذا ما نسعى ونقوم بحماس لنصنعه مع طلابنا ولكن بداخلي دائماً صراع بين ما احاول أن أكون عليه وما بين ما تربى عليه جيلي وهو يجي أن ينال الطالب كل ما يوجد بالكتاب وشعوري بالذنب إذا لم افعل ذلك ولذلك هربت من مرحلة رياض الأطفال الي ما قبلها لكي لا الواجهه هذا الشعور
دائما ما اخبر طلابي وطالبتي كل ما يهمني ان تتعلمون مهارات تؤهلكم للتعامل مع صعوبات الحياه فالتعلم مع الوقت يكتسب ، لكن الاهم المهارة التي هي اهم من كل شيء ، وحقا في خضم ضغوطات اليوم الدراسي نشعر باننا مطالبون بالف موضوع بجوار دورنا الاساسي وهو ان اكون معلم . شكرا على المقال ، ابدعت .
الله عليك يا علي جميل جدا هذا الطرح
والله أنا كنت بحاجة لذلك
جميل أن نستمتع بالتدريس كمهنة رسل
لا كمهنة تعقيدات و إحباطات
فعلا دعونا نأخذ استراحة لنتوقف ونعيش اللحظات التي قد تضيع 👌🏻
يعطيك العافية استاذ علي متل ما بقولوا ( حطيت إيدك على الوجع) نحن نعيش في دوامة 🌀 بكل ما تحمل الكلمة من معنى .
الحلول التي طرحتها جميله ومقنعة وتطبق ولكن تحتاج عند تطبيقها إلى تعاون ورح فريق متفق مع هذه العقلية
فعلا نحن ليس في سباق لكن اجبرونا على الدخول فيه.
اذا لنخرج من هذا السباق بالابداع والتنوع والبحث والتأمل والتجربة وان شاءالله نصل إلى المطلوب تحقيقه.
جزاك الله خيرا استاذ على دائما تمتعنا بمقالاتك الرائعة.
مقال رائع كالعادة 💪
أتفق معكم تماما أستاذي، فالعام الدراسي ليس سباقًا بين الطلاب، هو فرصة لتعلم وإتقان مهارات، ولكل طالب قدراته واهتماماته، والمعلم ليس آلة تقرأ وتكتب، بل هو مرشد ومربي وموجه.