ChatGPT في قاعة التدريب: أداة للتفكير أم بديل عن التفكير؟

بواسطة | سبتمبر 25, 2025 | عام | 8 تعليقات

بدأت القصة خلال ورشة تدريبية للمعلّمين. وزّعت المهامّ الأولى بحماس، لكن سرعان ما لاحظت شيئًا غريبًا: كلّما أعطيت نشاطًا، لجأ بعض المعلّمين مباشرة إلى ChatGPT ليكتب الإجابة عنهم. بعد ثلاث محاولات فقط، توقّفت وقلت بابتسامة ممزوجة بالجدّيّة :”أنا هنا لأقدّم تدريبًا لكم أنتم، لا لـChatGPT. أرجوكم توقّفوا عن تسليم المهام للأداة بدلًا من أنفسكم.”

ضحك البعض بخجل، لكنّ الموقف أثار عندي تساؤلات عميقة: هل أصبحنا فعلًا مدمنين على الإجابات السريعة؟ هل نحن في خطر أن نستبدل التفكير الحقيقيّ بسطور مكتوبة آليًّا؟

الأداة ليست المشكلة

من وجهة نظري، ChatGPT ليس خصمًا للعمليّة التعليميّة، بل يمكن أن يكون صديقًا نقديًّا، يساعد على دفع التفكير أعمق، وتوسيع زوايا النظر. المشكلة ليست في الأداة نفسها، بل في طريقة الاستخدام.

في بعض الورش مثلًا، أطلب من المعلّمين استخدام الذكاء الاصطناعيّ لغرض صياغة الأفكار المركزيّة أو التعميمات، ولكن بعد أن أكون قد شرحت لهم الخطوات، وناقشنا معًا المفاهيم. في هذه الحالة، يصبح ChatGPT  أداة لإعادة الصياغة أو لإثراء النقاش، لا بديلًا عن الفهم.

لكن إذا كان المعلّم نفسه لا يفهم ترابط عناصر الوحدة، أو لا يعرف كيف يدرّسها، فلن تغيّر أجمل صياغات ChatGPT شيئًا في واقع الصفّ. فالمعلّم لا يستطيع أن يستعير الفهم من آلة.

أسئلة تفرض نفسها

إذا كان المعلّم يعتمد على ChatGPT ليقوم بالعمل عنه، فهل سيقبل أن يفعل طلّابه الشيء نفسه؟

هل نحتاج إلى سياسات واضحة تنظّم استخدام الذكاء الاصطناعيّ في المدارس؟

كيف نضمن أن تؤدّي الأداة دورًا محفّزًا على التفكير النقديّ، لا عكّازًا للتفكير السطحيّ؟

وهل الأصالة في زمن الذكاء الاصطناعيّ تعني الشكل الجميل أم الفهم العميق؟

إعادة التفكير في التعليم

وجود أدوات كالذكاء الاصطناعيّ أمر يفرض علينا إعادة تعريف جوهر التعليم والتعلّم. لم يعد كافيًا أن نحكم على جودة العمل من مظهره أو صياغته، بل علينا التأكّد من أنّ وراء الكلمات تفكيرًا نقديًّا وفهمًا حقيقيًّا.

في النهاية،  ChatGPTليس منافسًا للمعلم، بل مرآة تساعده على رؤية حدوده الفكريّة. لكن السؤال الأهمّ يبقى:
هل سنستخدم الذكاء الاصطناعي لتوسيع مداركنا وتعميق فهمنا… أم لنهرب من عناء التفكير؟

نشر للمرة الأولى على موقع منهجيات

3 5 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

8 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
إيمان التوكابري
إيمان التوكابري
24 أيام

المقال صنع يومي علي فعلا. هذا التأمل يدفعنا فعلا للتفكير في وضع ميثاق للتعامل مع الذكاء الاصطناعي واستخدامه لجعل الافكار اعمق ولا ان يصبح بديلا عنا في التفكير وفي عصر المقاطع السريعة والايجابات السريعة أين نسر ؟ وهل العمق في المعرفة والتفكير أصبح مطلبا صعبا ؟

Boudour
Boudour
24 أيام

كلام من ذهب وعلينا جميعا إعادة النظر في كيفية استخدامه هو آداة مساعدة لتحويل الأفكار التي نحن نطرحها إلى انشطة ربما او لتنظيمها ولكن علينا تطويع الاداة لما نريده نحن.

Iman Zein
Iman Zein
22 أيام

شكرا استاذ علي على هذا المقال القيم ونعم الذكاء الإصطناعي ككل سلاح ذو حدين والتوعية بطريقة استخدامه اصبح ضرورة

Hiba ahmad obouss
Hiba ahmad obouss
22 أيام

يعطيك العافية أستاذ علي كلام أكتر من رائع و أنا بصراحة بفكر انه هو ممكن يكون صديق النا برحلة التعليم متل اي وسيلة أخرى أنا كل شي بيحيط فيني بقدر استعمله كمصدر لأدوات بتنفعني بعتبره صديقي بهيدي المهمة بس المشكلة انه صار الإعتماد عليه مخيف كأنه هو المحرك ما حدا عم يراجع وراه او يتأكد حتى …مساحة الإبداع صارت فارغة بعقولنا و نحنا كقدوة لتلاميذنا أكيد رح نأثر عليهم و يتكلوا عليه متلنا و هيدا خطر كبير… كلامك واعي جداً و أصيل من جوا الواقع و فعلاً لازم ينتشر الوعي حول هيدا الموضوع أكتر

Itaf
Itaf
22 أيام

شكرا” أ. علي مقال حلو كتير. و أكيد أدوات الذكاء الاصطناعي وجدت لمساعدتنا، و نحن من طرفنا علينا استخدامها بوعي و مسؤولية. لكن أعتقد نلجأ لها بطريقة عشوائية في بعض الأحيان بسبب ضيق الوقت. فلم يعد الأستاذ مسؤول عن عملية التعليم داخل الصف فقط،بل تطلب منه العديد من المهام المستهلكة للوقت. أما في موضوع التنمية الشخصية و المهنية، أعتقد من المجحف ان نلجأ ل
chagpt
للإجابة عن الأسئلة المطروحة، فذلك يفقد التدريب المهني معناه و فرصه في تطويرنا.

Last edited 22 أيام by Itaf
وسن احسان
وسن احسان
22 أيام

احسنتم مستر علي

Maha Awaad
Maha Awaad
21 أيام

مقال غني ويثير فعلاً تساؤلات مهمة حول موقع الذكاء الاصطناعي في التعليم.
من خلال خبرتي في تدريب معلمي برنامج السنوات الابتدائية أرى أن دورنا اليوم ليس رفض الأداة ولا الاعتماد الكلّي عليها، بل تدريب المعلمين والطلاب على الوعي بالاستخدام: متى يكون
ChatGPT
معينًا على التفكير، ومتى قد يعيق الوكالة ويضعف مهارات البحث والاستقصاء.

في سياق الـبكالوريا الدولية، نحن نعمل على تنمية المتعلّم المفكر، الباحث، المبدع، وهنا تصبح الأداة فرصة إذا استُخدمت في إثراء الاستفسار وصياغة أسئلة أعمق، لا كطريق مختصر يوفّر الإجابة الجاهزة.

التحدي الحقيقي أمامنا هو وضع إطار تربوي وأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي داخل الصفوف، بحيث يظل التعلم قائمًا على الفهم والتجربة والبحث، بينما يبقى
ChatGPT
شريكًا مساعدًا وليس بديلاً عن التفكير

Ziad ElTawil
Ziad ElTawil
11 أيام

جميله جدا ومفيده